مقتطفة من مقدمة دراسة نقدية تحليلية حصلت على المركز الأول في مسابقة اللجنة الثقافية للدراسات الأدبية واللغوية بالمجلس الأعلى للثقافة - جمهورية مصر العربية.
الورقة بعنوان:
آليات السرد الرقمي المعاصر في صقيع: دراسة وصفية تحليلية
الورقة بعنوان:
آليات السرد الرقمي المعاصر في صقيع: دراسة وصفية تحليلية
في ظل الظواهر الإلكترونية المعاصرة والأجواء الافتراضية السائدة كان من الطبيعي
أن يتأثر الأدب شكلا ومضمونا، فبظهور برامج الكتابة والتدوين والتخزين والتداول
الإلكتروني، وظهور برامج الوسائط المختلفة التي تتيح "تضفير" النص
المكتوب مع نص الوسائط (مسموع، أو بصري فني – تشكيلي – مبرمج) نشأت الرغبة لدى بعض
الكتاب والمبدعين من الشعراء والروائيين في استخدام هذه الوسائط الإلكترونية
لإنشاء كتبهم ونشر كتاباتهم بصورة رقمية على الفضاء الافتراضي، وإتاحتها للتداول
الإلكتروني وتلقّي آراء القراء وتفاعلاتهم مع النصوص، والمثير للانتباه هنا في
حدود ما نهتم به في هذه الورقة البحثية هو أسلوب السرد المبتكر الذي يستخدمه بعض
هؤلاء الكتاب المعاصرون؛ إذ يعتمدون على ما تتيحه التكنولوچيا الرقمية الحديثة من
وسائط متعددة (مرئية ومسموعة ومتحركة) لتعزيز القوة السردية للنص أو لاستبدال
السرد اللفظي المكتوب بسرد مرئي أو مسموع يخلف أثرا مشابها أو أكثر عمقا لدى
المستقبِل.
ويعد الكاتب الطبيب الأردني محمد سناجلة -
الذي تستعرض الورقة أحدث أعماله صقيع (2006) - رائدا للكتابة
التفاعلية والسرد الواقعي الرقمي، وهو مؤلف وجوه العروس السبعة – قصص
(ورقية 1995)، دمعتان على خد القمر – رواية (1996)، ظلال الواحد
(رقمية 2001، ورقية 2002)، رواية الواقعية الرقمية – تنظير نقدي
(رقمية 2003، ورقية 2004)، شات (رقمية 2005) وغيرهم، وقد
أطلق موقع اتحاد كتاب الانترنت العرب في الخامس من نوفمبر/تشرين ثان
2006 أحدث تجاربه الرقمية صقيع (2006)، وقدّم سناجلة في حفل
الإطلاق بالمركز الثقافي الملكي في عمان عرضا رقميا "داتا شو" للقصة
استعرض فيه عمله الرقمي الجديد وقدمه للجمهور، عارضا طريقة تنفيذه ومدى أثر العصر
الرقمي عليها وعلى الأدب.
أدب الواقعية الرقمية يختلف عن الأدب
التقليدي الذي نعرفه من حيث الشكل والسمات النصية السردية والبنائية، فهو أدب
ينطلق من الواقع الرقمي المعيش موظفا إمكاناته التكنولوچية وأدواته الرقمية في
إنتاج نص أدبي جديد يواكب ما طرأ على العصر من تغيرات ويستهدف في نفس الوقت قارئ
معتاد على الوسائط الرقمية وأدواتها وبرامجها. نستدل على بعض هذه السمات من دراسة
وتحليل قصة صقيع للكاتب الأردني محمد سناجلة. فمن حيث الشكل
يختلف صقيع كمثال للكتاب الرقمي المعاصر عن قرينه التقليدي في
أنه ليس له غلاف ورقي؛ بل غلاف رقمي جرافيكي متحرك تصاحبه مؤثرات صوتية وتتحرك
البيانات الرقمية عليه بشكل فني محسوب. كما أن النص السردي داخل الكتاب ليس كالنص
المعتاد في الكتاب الورقي؛ إذ إنه يحتوي على روابط متشعبة تأخذ القارئ إلى مشاهد
جرافيكية فرعية ذات صلة بالنص السردي الأصلي، وهي متحركة بعضها منفذ بطريقة
سينمائية والآخر بصورة جرافيكية زخرفية.
هذا وقد اعتاد القراء على ظاهرة التناص في
الأعمال الأدبية بصورة طبيعية؛ بالتداخل بين النصوص والتضافر بين الأنواع الأدبية
والأجناس، ولكن كل هذا كان يتم في إطارالنص الأدبي التقليدي "المكتوب -
المطبوع"، لكن الأمر يختلف في النص الرقمي؛ فالتضافر بين النصوص والأنواع
الأدبية يتم بصورة رقمية مختلفة تخضع للشكل العام للكتاب ولسمات الوسائط
الإلكترونية المستخدمة في تكوينه وبنائه نصا وسردا. وفي صقيع نلقي
الضوء على حالتين من حالات التناص السيميائي والتداخل النوعي يقدمهما سناجلة
بطريقة مبتكرة وجديدة مُبطّنتين في سطور النص السردي الرقمي الأساسي في صورة نص
متشعب "hypertext" يأخذ القارئ/المشاهد من
النص إلى نافذة عرض النصوص المتداخلة مع النص الأدبي، ونلمس هذا في قصيدتي
"أحتاجك" و"بقايا" اللتين تتداخلان من النص الأصلي كنوع مختلف
عن النوع السردي الأصلي للقصة، وتتناصان في الآن ذاته مع أغنيتين هما
"محتاجاك" للفنانة الجزائرية وردة، وأغنية "مابقالي قلب"
للفنان السعودي محمد عبده.
في تتبع سمات العرض والسرد الرقمي في صقيع كأحد
الأمثلة المعاصرة على أدب الواقعية الرقمية ينقسم هذا البحث إلى ثلاثة فصول،
يستعرض الفصل الأول السمات والخصائص الفنية للنص الأدبي الإلكتروني متتبعا بعض
سمات الأدب الممتعلقة بأثر المجتمع فيه، ونشأة الأدب الإلكتروني وعلاقة هذا
بالواقع الثقافي المعاصر وعلاقة التأثير والتأثر فيما بينهم. يلي ذلك مناقشة
لمفهوم الأدب الإلكتروني – الرقمي متبوعا بخصائص لغة السرد في الأدب التقليدي وما
آلت إليه في الأدب الرقمي المعاصر مع استعراض لغة السرد الجديدة وأبرز وأهم سماتها
وخصائصها. يستعرض الفصل بعد ذلك السمات الشكلية للسرد في النص الرقمي وآفاقه
الافتراضية مع عرض الخصائص النصية الشكلية والسيميائية للسرد الفني والأدبي في صقيع،
وتتضمن الإشارة لخصائص أدوات الوسيط الإلكتروني وأثرها شكل الرسالة النهائية التي
يتسلمها المتلقي، فضلا عن إلقاء الضوء على تقنية بناء المشاهد المختلفة والتداخل
بين الأنواع الفنية في النص الواحد فيما يعرف بالتناص النوعي وتناص النص أدبيا
وفنيا مع نصوص خارجية أخرى.
يتناول الفصل الثاني بالتحليل المفصّل
السمات الشكلية لـصقيع من حيث شكل الغلاف والمقدمة والطرق غير
الكتابية لعرض الأجواء النفسية باستخدام عناصر اللون والصوت والتحريك، وينتقل
الفصل بعد ذلك لفحص سمات النص الشكلانية ويركز على سمة الروابط المتشعبة العشرة
المضفرة في النص الأدبي مع تسليط الضوء على شكل القصيدة الرقمية وآليات السرد
المتبعة من خلالها. أما الفصل الثالث فيخصص لفحص وتحليل آليات الرقمنة السردية
للمشاهد في صقيع. وفيه نتناول بالتحليل تقنية السرد السينيمائي
السيميائي الصامت في المشاهد، وسمات بناء وتحريك المشاهد الخيالية المتحركة
ومنهجية سردها الموازي دلاليا للنص الأصلي، كما نلقي الضوء أيضا على سيميائية
الفسيفساء السردي الرقمي المتمثلة في التناص النوعي والتناص الحقيقي بين السرد في
النص القصصي والقصيدة الرقمية من ناحية والأغنية من ناحية أخرى.
Comments