فيلم "يوم سعيد" (1939) هو أحد أبرز الأفلام التي أنتجها وأخرجها المخرج محمد كريم (1896 - 1972)، وهو بالطبع فيلم أبيض وأسود يصور مشاهدًا من الريف المصري ويوثق للعادات والتقاليد التي سادت في النصف الأول من القرن التاسع عشر إضافة إلى طرز الملابس المتنوعة بحسب اختلاف الطبقة الاجتماعية، وشأنه شأن أي عمل سينمائي، فهو يوثق أيضا طبيعة اللغة التي استخدمها المصريون في كلامهم العامي والتي تبدو بالنسبة لمعاصري القرن الحادي والعشرين قديمة جدا رغم سهولة فهمها وإمكانية "تضفير" مفردات منها في المحادثات اليومية، أما ما قد يصعب استساغته من مشاهدي يومنا هذا فهو الآداء الذي يحمل بعض المبالغات في الآداء والحركات التي تميل للطابع الدرامي المسرحي.
وقد تضمن الفيلم ثمان أغنيات من بينها "محلاها عيشة الفلاح" التي كتب كلماتها بيرم التونسي ولحنها محمد عبد الوهاب، وقدمَتها أسمهان في الفيلم بصوتها فقط مصحوبة بمشهد رقص مصري تقليدي تتوسط فيه الراقصة ("الغازية") حلقة من المتفرجين والعازفين وهي تؤدي رقصتها الاستعراضية بملابس الرقص التقليدية للـ"غوازي" في هذه الفترة من جلباب "أسمر" واكسسوارات معدنية ضخمة ورنانة، وكانت ترقص وهي تغني الأغنية التي يسمعها الجميع وهم في حالة من النشوة.
وفي مشاهد تلك الرقصة يظهر المجتمع الريفي المصري بطوائفه المختلفة بشكل طبيعي وبسيط، فتستعرض الكاميرا وجوه الفلاحات وألبستهن التقليدية، وكذا الرجال ممن يشاهدون الرقصة ويستمتعون بالغناء ومن يدوخنون السجائر والأرجيلة، وكذلك ظهر فيها الأطفال والعازفين المحترفين، ومن اللقطات المميزة في تكوين تلك الأغنية المصورة إظهار تفاعل المستمعين باندماج أحدهم مع ألحان الأغنية وخلقه لحنا موازيا بفناجين القهوة التي فرغ هو وسمرائه من شربها، وكذلك من خلع طاقيته البيضاء ونزل يشارك الراقصة بحركات خاطفة توحي بالاستمتاع "بعيشة الفلاح" في أوقات الأنس ليلا، ويعلو تفاعل الجمهور مع الأغنية والرقصة بالتصفيق الإيقاعي للراقصة وهو ما يضيف إلى بهجة المشهد وقوة تأثيره في نفس المشاهد.
والأغنية قدمها كل من الموسيقار محمد عبد الوهاب والفنانة نجاة، وكان الآداء ممتعا في الحالات الثلاث بتسجيلات الاستوديو عالية الجودة، غير أنني أجد أن نسخة عبد الوهاب هي الأفضل على الإطلاق، ولا تقل عنها إمتاعا روائع عبد الوهاب الغنائية والتلحينية الأخرى التي من بينها "يا ورد مين يشتريك" التي قدمت في نفس الفيلم وتم تقديمها فيما بعد بتوزيع جديد ساحر، و"إمتى الزمان يسمح يا جميل" 1932 كلمات أمين عزت الهجين، و"جفنه" التي كتبها الشاعر اللبناني بشارة الخوري 1933، و"من غير ليه" كلمات مرسي جميل عزيز وألحان وغناء وإنتاج محمد عبد الوهاب عام 1989، فكلها روائع لن تندم على الاستماع إليها إن كنت من محبي الألحان الشرقية ذات الطابع الحداثي المميز.
أترككم مع هذه النسخة الممتعة من "محلاها عيشة الفلاح"
ليلتكم سعيدة
آية
الجمعة 26 يوليو 2024
Comments