لا تتعجل الانسلاخ من نسختك القديمة

 لا يوجد ضمان أنك ستظل في نفس إطار تجاربك الحياتية اليومية تُكررها على نفس الوتيرة على مدى حياتك، وكذا لا يوجد ما يدفعك للتعجل والقفز خارج إطار راحتك المألوفة قبل أن تكون مستعدا لذلك، ومشكلة هذا تكمن في شيئين، أولهما أنك تفقد شعورك بما يحمله حاضرك أو يحضره لك من نعم وسعادات، وثانيهما هو شعور النقمة الذي يصيبك حتما حينما لا تتمكن من "القفز" بشكل كامل خارج إطار ما تألفه أو ما يضايقك، ويعجبني تشبيه ذلك الميلاد بفقس الكتكوت الصغير من بيضته؛ إذ إن استعجاله وتعجله بالفقس ينهي حياته لا محالة.

يقول المتبحرون في علوم الطاقات النفسية لمن يعالجونهم بهذا العلم عبارة لا تكد تفقد بريقها في إطار متابعة طبيعة تطور النمو النفسي الإنساني: "You can not quantum leap"، أي أنك مُضطر إلى تسلق سلم الطاقة النفسية درجة درجة حتى تصل إلى وجهتك التي حددتها مسبقا، وأنت مضطر كذلك للاستمتاع بكل دقائق تلك الرحلة، ثم إنك يلزمك فيها الكثير من الصبر لأنك ستنزلق على درجاته وتتأرجح بين سلالمه تأرجحًا لا يمكن تجنبه ولا تجاهله، ولهذا كانت صفات الصبر والمثابرة محمودة في رحلة الاستبصار بالذات والارتقاء بها، فإن لم يكن لديك الاستعداد الذهني والنفسي للانطلاق في هذا الاتجاه وتبني هذا النوع من الألم وترويض ما يرافقه من مشاعر ثورة (وغيظ أحيانًا) فابق مكانك حتى تتسع نفسك لمثل هذا الانفراج المتتابع وتطلب منك بدء السير في تلك الرحلة.

واعلم أن خبر الاستعداد يأتيك من نفسك لا من غيرها، فتجد أنت أن صافرة انطلاقك قد فزّت في قلبك فجأة، وتعرفها حينما تنفتح لها طاقة تحركها وتسمح لها بالإضاءة والتنوير، وفي هذه الحالة تكون مقاومة مثل هذا الإلحاح الشعوري القادم منها سببا من أسباب الألم المستمر والغضب والغيظ أيضا، والحكمة هنا تكمن في حسن الإنصات للذات، ولكل ما يطرأ عليها من تغير أو لكل ما تطلب - مستحدثا كان على نظامها أو قديم، المهم هو الإنصات العاقل المتبوع باختيارات تتعاطى مع ذلك التغير أو تلبي تلك المطالب بشكل متزن وحكيم حتى يكون التقدم ثابتا ومحمودا على المدى القريب والبعيد أيضا.

يتبع..

Comments