تنظير في مطلق "العملية النقدية"
بقلم د. آية مؤنس حلمي
النقد في اللغة هو "التقييم"، ولكي يكون النص
النقدي ناجحا يجب أن يستند كاتبه إلى دراسة المعايير التي تتم على أساسها عملية تقييم
أي عمل إبداعي. ولعملية التقييم تلك بعض ركائز يجب أن يلتزم بها الناقد حتى يتمكن
من تحقيق التوازن السليم بين شكل ومضمون ما يقدمه من "نقد"، ولقد خصصت
ورشة النقد الفني التي انعقدت جلسات ورشاتها الثمانية بمقر جمعية محبي الفنون
الجميلة بالزمالك للتعريف "الأكاديمي" بالنقد الفني وبيان تعريفه، وأسسه
وركائزه اللائي يجب أن يبنى عليهن، فضلا عن إيضاح الشروط الواجب توافرها فيمن
يشتغل بمجال النقد الفني، وصولا إلى التفريق بين الناقد وغيره من كُتَّاب النصوص
التأريخية والكتابات الصحفية أو الإبداعية وغيرها من أنشطة تتعلق من قريب أو من
بعيد بالكتابة عن الأعمال الإبداعية- أسس نتناولها باختصار في السطور التالية...
يتلخص تعريف النقد في تقييم الأعمال الإبداعية عن طريق تكريس
الناقد لطاقته بصورة موضوعية تتسم بالحيادية والنزاهة أثناء قراءته للعمل الإبداعي
فيصدر بذلك رأيا يستند لأدلة وبراهين منطقية ونظرية تدعمه. ولا يمكن للناقد أن يتم
إنتاج نص نقدي سليم بغير اتباع لبعض خطوات والتزام بقواعد ونظريات ولآراء نقدية
تعينه في إيضاح قراءته الموضوعية للعمل الفني والتي يجب أن تخلو من انحياز شخصي أو
مجاملة تضيع بها نزاهة عملية التقييم التي يفترض فيها الواعي والموضوعية: حيث
التركيز بصفة أساسية على تقييم العمل الفني فقط وفق معايير معينة بصورة
يفترض أن تنحَّى فيها العلاقات الشخصية بين الناقد والفنان جانبا بصورة تضمن بناء
رأي موضوعي سليم؛ وبناءا عليه فإن الناقد يحتاج لوقت "يقرأ" فيه العمل
الفني ويتفاعل معه تفاعلا حقيقيا باللمس أو المشاهدة عن قرب أو غير ذلك...
والهدف
من ذلك هو أن يتمكن الناقد من بلورة رؤيته التقييميه (النقدية) بشأن العمل الفني
محددا بذلك هدفه ومستعينا بالنظريات النقدية التي يراها مناسبة تدعم رأيه وتؤكده
بالأدلة والأسانيد المنطقية فيخلو بذلك خطابه من أي انحياز أو تقييم
"جزافي"؛ فيبدأ بعملية العصف الذهني التي يحشد فيها كل ما أثاره العمل
الفني لديه وكل ما استدعاه من إشارات ورموز ذات مدلول حضاري أو مغزى إنساني عميق
وعلى أساس ما تنتجه تلك العملية يبدأ الناقد في اختيار المضمار النقدي الذي يتسق
مع رؤيته وقراءته فيبدأ بتسخير معرفته الواسعة وتطويعها ساكبا ذو الصلة منها في
نقاط مرتبة يستغلها فيما بعد في صياغة نصه النهائي.
أما فيما يتعلق بالنص النقدي فيجب
أن يوضع في قالب لغوي رائق يراعيه الناقد وهو يكتب حتى يستسيغه القارئ ويستمتع به،
وأحيانا يبدع أساتذة النقد في صياغة نصوصهم النقدية فتصبح هي في ذاتها تحفة لغوية تبهر
القراء وتكون نموذجا للنص النقدي الإبداعي الذي يعرض تقييما يظهر مواطن قوة أو
مناطق ضعف عمل ما في قالب ذو روح أدبية راقية تفرض حضورها على مر الزمن...
وفي هذا
يظهر الاختلاف الذي عكف أساتذة النقد على إيضاحه للدارسين والمهتمين منا بهذا
المجال حيث يكمن في كون الناقد عقلية إبداعية تستخدم ما لديها من علم ومعرفة في
تقييم العمل الفني ومن ثم تظهر نقاط قوته وضعفه وتسردها بناءا على أسس علمية
مدعومة بأدلة نظرية يتفق عليها جمهور المثقفين؛ فهو لا يكتب عن سيرة أو تاريخ حقبة
ما كما يفعل المؤرخون، وليست وظيفته نشر خبر عن حدث فني يقام في مكان ما فيدعو
الناس إليه كما يفعل الكاتب الصحفي- ولكن وظيفته هي النقد: تلك العملية الإبداعية
التي تمتاز قبل كل شئ ببراعة العرض والتطويع.
Comments